إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
133653 مشاهدة
من عظم الله استصغر من سواه

...............................................................................


إذا عرفوا عظمة الله، وأنه جلال وجهه لو انكشف ذلك نور لاحترقت المخلوقات العلوية والسفلية؛ دل ذلك على عظمة الخالق، وأنه لا يقاس بخلقه ولا يمكن أن يثبت لعظمته شيء. كذلك أيضا إذا استحضروا أن المخلوقات حقيرة بالنسبة إلى عظمته وأنه هو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا وأنه يمسك المخلوقات أن تضطرب أو تتحرك أو تميد كما في قوله تعالى: أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ عرف بذلك عظمة الله.
ونتيجة ذلك؛ نتيجة هذه المعرفة التعظيم وهو أن من يعظِّم الله يعظُم قدر ربه في قلبه، وكذلك يعظم الله تعالى فيعظم شأنه أن يقاس بأحد من مخلوقاته، أو يصرف من حقه شيء لخلقه، ويعظم الله تعالى أن يُحتقر يحتقره العباد أو يجعلوا له شريكا من المخلوقات أو ما أشبه ذلك، وهكذا أيضا يعظمون الرب بأن يصرفوا له العبادة وحده ويتركوا عبادة ما سواه، فلا يصرفون شيئا من العبادة لغيره.
إذا استحضروا أنه أعظم من كل شيء، ولأجل ذلك يؤمرون بأن يكثروا من ذكر الله الذي يدل على عظمته كما في قوله صلى الله عليه وسلم لما ذكر الركوع والسجود قال: فأما الركوع فعظموا فيه الرب أي: أثنوا على الله تعالى في الركوع بما يدل على إثبات العظمة مثل قوله: سبحان ربي العظيم. أي الذي له العظمة وحده، وقد أمر الله بذلك في قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ أي: سبحه بقولك: سبحان ربي العظيم.
فتعظيم الله تعالى سواء استحضار عظمته بالقلب وإن لم ينطق، أو النطق بأن يذكر الله تعالى بالألفاظ التي تدل على العظمة والثناء عليه بالأسماء والصفات التي تدل على عظمته وجلاله وكبريائه؛ لذلك نتيجة وهي أن يعظم قدر ربه في قلبه وأن تصغر الدنيا، ويصغر أهلها بالنسبة إلى عظمة الله، وألا يبقى في قلب الإنسان ما يعظَّم كتعظيم الله تعالى ولا ما يصرف له شيء من حق الله سبحانه وتعالى، فهذا هو نتيجة هذا التعظيم من هذه الآثار وما أشبهها، وكذلك من الآثار والأحاديث التي سبقت في هذا الكتاب وفي غيره.
والآن نستمع إلى كلام المؤلف.